كيفية تكوين عادات إيجابية والتخلص من العادات السلبية

 كيفية تكوين عادات إيجابية والتخلص من العادات السلبية

تكوين العادات الإيجابية والتخلص من العادات السلبية يتطلب وعيًا ذاتيًا، والتزامًا مستمرًا


مقدمة: التخلي عن العادات السلبية واكتساب العادات الإيجابية

الحياة ما هي إلا مجموعة من العادات التي نمارسها يوميًا، فهي التي تشكّل شخصياتنا وتحدد مدى نجاحنا أو فشلنا. ولكن في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا عالقين في عادات سلبية تُعيق تقدمنا، وتستهلك طاقتنا دون أن ندرك مدى تأثيرها على حياتنا. قد تكون هذه العادات صغيرة مثل تأجيل المهام أو قضاء وقت طويل على وسائل التواصل الاجتماعي، أو كبيرة مثل التدخين أو التفكير السلبي المستمر.

التخلي عن العادات السلبية ليس مجرد قرار نتخذه، بل هو عملية تتطلب وعيًا وإرادة واستراتيجيات فعالة. بالمقابل، اكتساب العادات الإيجابية يمنحنا شعورًا بالإنجاز، ويعزز إنتاجيتنا، ويساعدنا في تحقيق أهدافنا. فالتغيير يبدأ بخطوة بسيطة، لكنه يحتاج إلى التزام واستمرارية حتى يصبح نمط حياة دائم.

في هذه الرحلة نحو التحوّل، سنتعرف على الأساليب العلمية والعملية التي تساعدنا على كسر قيود العادات الضارة، واستبدالها بعادات إيجابية تُمكّننا من بناء حياة أكثر توازنًا وإشراقًا. لأن كل تغيير حقيقي يبدأ من الداخل، والخطوة الأولى نحو النجاح هي إدراك قوة العادات وتأثيرها على مسار حياتنا

تكوين العادات الإيجابية والتخلص من العادات السلبية يتطلب وعيًا ذاتيًا، والتزامًا مستمرًا، واستراتيجيات فعالة تساعدك على إعادة برمجة سلوكك. إليك الخطوات العملية لفعل ذلك:

 

أولًا: تكوين العادات الإيجابية

1 - حدد العادة الإيجابية بوضوح

أ - عند تحديد عادة إيجابية بوضوح، من المهم أن تكون محددة وقابلة للقياس والفهم بسهولة. يمكن استخدام الصيغة التالية لتوضيح العادة:

ب - ما هي العادة؟ حدد العادة بدقة، مثل: ممارسة التأمل لمدة 10 دقائق يوميًا أو قراءة 10 صفحات من كتاب كل مساء.

ج - لماذا هي مهمة؟
اشرح كيف ستؤثر هذه العادة إيجابيًا على حياتك، مثل: تحسين التركيز وتقليل التوتر أو تطوير المعرفة وزيادة الفهم.

د - كيف ستقوم بها؟
حدد الوقت والمكان والطريقة، مثل: بعد الاستيقاظ مباشرة في غرفة هادئة أو قبل النوم في السرير مع كوب من الشاي.

°عندما تكون العادة واضحة بهذه الطريقة، يصبح من الأسهل الالتزام بها ودمجها في الروتين اليومي.

o       لا تقل: "أريد أن أكون أكثر صحة"، بل قل: "سأمارس الرياضة 30 دقيقة يوميًا".

o       التحديد يجعل الهدف أسهل في التنفيذ.

2 -  ابدأ صغيرًا

o       العادات تبدأ بخطوات بسيطة، ثم تتطور.

o       مثال: إذا كنت تريد القراءة يوميًا، ابدأ بخمس دقائق فقط.

3       - اربط العادة بعادة قائمة (التكديس العادات)

o       اربط العادة الجديدة بشيء تفعله بالفعل.

o       مثال: بعد تنظيف أسناني، سأقرأ 5 صفحات.

4     - استخدم المحفزات

أ - ضع كتابك بجانب السرير لتذكيرك بالقراءة.

ب - ضع ملابس التمرين جاهزة لتشجيعك على الرياضة.

5     - كافئ نفسك

°بعد تحقيق تقدم في العادة، كافئ نفسك بشيء ممتع.

°المكافآت تعزز الاستمرارية.

6 - التكرار والالتزام لمدة 21-66 يومًا

° تشير الدراسات إلى أن العادات تتكون بين 21 إلى 66 يومًا.

°الاستمرارية أهم من الكمال.

7  -     راقب تقدمك واستخدم التتبع

°استخدم تطبيقًا أو دفترًا لتسجيل الأيام التي التزمت فيها بالعادة.

°رؤية التقدم يحفزك على الاستمرار.

 

ثانيًا: التخلص من العادات السلبية

1     - حدد العادة السلبية وفهم أسبابها

o       اسأل نفسك: لماذا أفعل ذلك؟ متى أمارس هذه العادة؟

o       مثال: "أتناول وجبات غير صحية عندما أشعر بالملل".

2     - استبدل العادة السلبية بعادة إيجابية

o       بدلاً من تصفح الهاتف صباحًا، استبدله بقراءة كتاب.

o       بدلاً من التدخين، امضغ علكة خالية من السكر.

3     - اجعل العادة السلبية صعبة التنفيذ

o       إذا كنت تأكل أطعمة غير صحية، لا تشتريها من الأساس.

o       إذا كنت تضيع وقتك على الهاتف، احذفه من غرفة النوم.

° إذا كنت تريد تقليل وقت الشاشة، ضع هاتفك في غرفة أخرى أثناء العمل.

° إذا كنت تريد تقليل تناول السكر، لا تشتري الحلويات عند التسوق.

4     - حدد محفزات العادة وتجنبها

o       إذا كنت تدخن عند شرب القهوة، جرب تغيير مكان شرب القهوة.

o       إذا كنت تماطل بسبب الهاتف، ضع هاتفك بعيدًا أثناء العمل.

5     - استخدم قوة الإحراج الاجتماعي

o       أخبر صديقًا أو أحد أفراد العائلة أنك ستتخلص من العادة، ليشجعك ويراقب تقدمك.

6     - استعمل تقنية "قاعدة الـ 5 دقائق"

o       إذا شعرت برغبة في العادة السلبية، انتظر 5 دقائق، غالبًا ستزول الرغبة.

7     - استعن بالمكافآت والتذكير الذاتي

o       كافئ نفسك عند التخلص من العادة لمدة معينة.

o       استخدم ملاحظات ملهمة أو منبهات تذكرك بأهمية التغيير.

8     - مارس تقنيات الاسترخاء وتقليل التوتر

o       العادات السلبية غالبًا تكون استجابة للضغط.

جرب التأمل، المشي، أو التنفس العميق

 

ثالثا: لماذا يصعب التخلي عن العادات السلبية واكتساب العادات الإيجابية

 

تحديد مسار التغيير

 التخلي عن العادات السلبية واكتساب العادات الإيجابية يعدّان تحديًا كبيرًا لأنهما يتأثران بعدة عوامل نفسية وعصبية وسلوكية. إليك بعض الأسباب التي تجعل هذه العملية صعبة:

1-   التأثير العصبي والدماغي

  • الدوائر العصبية المترسخة: العادات السلبية تصبح راسخة في الدماغ عبر "المسارات العصبية"، مما يجعلها تلقائية وصعبة الكسر.
  • الدوبامين والمكافأة: العادات السلبية غالبًا ما تعطي شعورًا فوريًا بالراحة أو المتعة (مثل التدخين، الأكل غير الصحي)، مما يعزز استمرارها عبر نظام المكافأة في الدماغ.

2 -  الارتباط العاطفي والعقلي

  • العادات كآليات تأقلم: كثير من العادات السلبية تُستخدم للهروب من القلق أو التوتر، مما يجعل التخلي عنها يبدو وكأنه فقدان لوسيلة تخفيف الضغط.
  • المعتقدات الداخلية: إذا كان الشخص يعتقد أنه لا يستطيع التغيير أو أنه غير قادر على النجاح، فإن ذلك يُضعف إرادته.

3 -  الراحة مقابل الجهد

  • العادات السلبية سهلة التنفيذ: مثل مشاهدة التلفاز بدلاً من ممارسة الرياضة، حيث تحتاج العادات الجيدة إلى جهد أكثر مقارنة بالعادات السيئة التي تأتي بسهولة.
  • النتائج الطويلة الأمد: العادات الإيجابية غالبًا ما تحتاج وقتًا لتظهر نتائجها، بينما العادات السلبية تعطي نتائج فورية (مثل تناول السكر أو التصفح العشوائي).

4 -  البيئة والتأثير الاجتماعي

  • المحفزات البيئية: الأماكن والأشخاص والعادات اليومية المحيطة تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز العادات السلبية أو كبح العادات الإيجابية.
  • التأثير الاجتماعي: الأصدقاء والعائلة قد يدفعون الشخص دون قصد للاستمرار في العادات السيئة، مثل تناول الطعام غير الصحي أثناء اللقاءات الاجتماعية.

5 -  نقص الانضباط والاستراتيجية

  • عدم وجود خطة واضحة: محاولة التغيير بدون خطة عملية أو تدريجية تؤدي غالبًا إلى الفشل.
  • التوقعات العالية جدًا: الرغبة في تغيير سريع قد تؤدي إلى الإحباط والاستسلام عند مواجهة أي انتكاسة بسيطة.


كيف يمكن التغلب على هذه الصعوبات؟

 ابدأ بخطوات صغيرة: لا تحاول التغيير الجذري دفعة واحدة، بل ركّز على تحسين بسيط يوميًا.
 
حدد المحفزات: تعرّف على الأشياء التي تجعلك تلجأ إلى العادة السلبية وحاول تجنبها أو استبدالها بمحفز إيجابي.
 
استخدم المكافآت: حفّز نفسك بمكافآت صغيرة عند تحقيق تقدم في اكتساب عادة إيجابية.

  • استخدم التعزيز الإيجابي: كافئ نفسك بعد تنفيذ العادة، مثل مشاهدة حلقة من مسلسل بعد إنهاء التمرين.
  • تابع تقدمك: استخدم تطبيقات التتبع أو ضع علامة على تقويمك كل يوم تنجح فيه في الالتزام بالعادة.

 غيّر بيئتك: أحط نفسك بأشخاص داعمين وأجواء تشجع العادات الجيدة.
 
كن صبورًا: التغيير يستغرق وقتًا، فلا تستسلم إذا واجهت انتكاسات.

 

قاعدة الـ 21 يومًا... حقيقة أم خرافة؟

قاعدة الـ 21 يومًا، التي تقول إن الإنسان يحتاج إلى 21 يومًا فقط لاكتساب عادة جديدة أو التخلص من عادة قديمة، هي أشبه بأسطورة شائعة أكثر من كونها حقيقة علمية ثابتة.

° أصل القاعدة

تعود الفكرة إلى ماكسويل مالتز، وهو جرّاح تجميل نشر كتابه "Psycho-Cybernetics" عام 1960، حيث لاحظ أن مرضاه يحتاجون إلى حوالي 21 يومًا للتأقلم مع مظهرهم الجديد بعد الجراحة. مع الوقت، تم تبسيط ملاحظته وتحويلها إلى قاعدة تقول إن أي شخص يمكنه بناء عادة جديدة أو كسر عادة قديمة خلال هذه المدة، لكن هذه الفرضية ليست مدعومة بأدلة علمية قوية.

° الحقيقة العلمية

أبحاث حديثة، مثل دراسة أجرتها جامعة لندن (University College London - UCL) عام 2009، وجدت أن اكتساب عادة جديدة يستغرق في المتوسط 66 يومًا، وقد يختلف الأمر بين الأفراد تبعًا للتعقيد السلوكي وطبيعة العادة نفسها، حيث تتراوح المدة بين 18 يومًا إلى 254 يومًا، حسب الشخص ونوع العادة.

لماذا لا تكفي 21 يومًا؟

1.   العادات ليست متساوية: تغيير عادة بسيطة مثل شرب كوب ماء صباحًا قد يكون أسرع من تغيير عادة معقدة مثل ممارسة الرياضة يوميًا.

2.   الدماغ يحتاج إلى إعادة تشكيل: تكوين العادات مرتبط بإعادة برمجة المسارات العصبية، وهذه العملية تستغرق وقتًا أطول من 21 يومًا.

3.   الالتزام والانضباط يلعبان دورًا حاسما: الاستمرار بعد المدة المحددة ضروري لضمان تثبيت العادة.

وبالتالي فإن قاعدة الـ 21 يومًا ليست قانونًا صارمًا، بل مجرد تبسيط مفرط لعملية تكوين العادات. إذا كنت تريد بناء عادة جديدة أو التخلص من عادة سيئة، فالتركيز على الاستمرارية والانضباط أهم من العدّ الزمني للأيام.

ما العادة التي تحاول تغييرها حاليًا؟

 

خلاصة

تشكيل العادات الإيجابية هو مفتاح النجاح في مختلف جوانب الحياة، سواء كانت تتعلق بالصحة، الإنتاجية، التعلم، أو حتى العلاقات الاجتماعية. يعتمد نجاح الأفراد غالبًا على قدرتهم على بناء عادات إيجابية والتخلص من العادات السلبية التي تعيق تقدمهم.

ولكن باستخدام استراتيجيات واضحة مثل "التكديس"، "المكافآت"، و"التغييرات البيئية"، يمكنك بناء نمط حياة أفضل وتحقيق أهدافك بسهولة.

 بناء العادات الإيجابية يعتمد على التكرار، التذكير، والمكافآت.
 
التخلص من العادات السلبية يتطلب وعيًا، استبدالًا، وتجربة استراتيجيات مختلفة.

إذا بدأت الآن، فخلال بضعة أشهر ستجد نفسك شخصًا جديدًا بعادات أكثر إيجابية!

تعليقات